هذه ليست المرة الأولى التي أتحدث فيها عن عبدالوهاب مطاوع، كتبت من قبل تدوينة في مدونة ما، بحثت عنها لكنني لم أجدها مع الأسف.
من هو عبدالوهاب مطاوع؟
لا أعرف إن كنت قد سمعت بهذا الاسم أم لا، فهو كاتب نادر، قلمه الأدبي كتب و أجاب على رسائل قراءه الكثيرون، أعتقد أن شهرته بدأت في مصر أولا ثم زادت بعد وفاته وانتشر اسمه في ارجاء العالم العربي، وإلا فإنني لم أكن لأعرفه وهو الذي توفي في عام ٢٠٠٤.
هنا صفحة تعريفية عن حياته في ويكيبيديا، و هذه صفحته على فيس بوك، تويتر، و مدونة بها الكثير من رسائله وأخباره.
كيف تعرفت على عبدالوهاب؟
أول مرة عرفت فيها عبدالوهاب كنت حينها في سن صغيرة، كنت ربما بالثانوية، تعرفت عليه من صفحته على فيس بوك، قرأت اقتباسات من ردوده على رسائل القراء في بريد الجمعة، وهكذا أصبحت أتتبع الرسائل والمقالات التي تكتب على صفحته، حتى بدأت جديا باقتناء كتبه، فالقراءة عبر الانترنت وحدها لم تكن تكفيني، أنتظر معارض الكتاب وأبحث عن اسمه خصيصا في أروقة دور النشر.
لاحقا وفي نفس الفترة، أتذكر أنني تطوعت لفترة قصيرة للمشاركة في كتابة القصص أو لنقل نقلها من الورق المصور بطريقة غير واضحه لـ مستند وورد قابل للقراءة والنشر، لكن كان هذا لفترة قصيرة فقط (أتذكر منه القليل الان، ولا أعرف لماذا توقفت).
لماذا عبدالوهاب مطاوع؟
ما ستقرأه لعبدالوهاب أولا قد تكون مجموعة المقالات التي أجاب فيها على رسائل بريد الجمعة الأسبوعي، يرسل بعض الناس مشاكلهم وقصصهم ويشاركونها مع عبدالوهاب الذي بدوره يقوم بمحاولة إيجاد حلول لهم ومشاركتنا تعليقه على الرسائل.
لكن أبطال رسائل عبدالوهاب لا يرسلون رسائل قصيرة، ولا مشاكل بسيطة، بل هي قصص نضالهم وتحملهم الصعاب (غالبا وليس دائما) أقف وأنا أرفع القبعة لهذا النضال المستمر.
أتذكر الان المضحك المبكي، أنني بينما كنت أنتظر قبولي الجامعي كانت لي سهرات في قراءة قصص الأبطال وتعليقات عبدالوهاب عليها ، ثم أتسلل بعد المقالات وأزور صفحات منتديات نسائية مثل عالم حواء وغيرها، وأبحث في أقسام المشاكل وقصص الحياة. و أتعجب من مشاكل المجتمع الحالية البسيطة بل السطحية. أما أبطال قصص عبدالوهاب شجعان وصبورين يواجهون الحياة باصرار وتحمل.
كانت نصائحه – سواء اتفقت معها أم لا – هي خليط بين الإيمان بالله والتعلق به والاستشهاد بالسيرة و مقولات المفكرين من قبل -المفكرين غير العرب- لذلك ردوده كانت مميزة لأنها تأتي مع استشهادات منوعة تعكس ثقافته المنوعة كذلك.
في السابق كنت أجد في نفسي القليل من الحرج حول (هل يجب علينا الاستشهاد بأفكار مثقفين غربيين، ديننا الحنيف يكفي) لكن مع قراءة الكثير من الغثاء و القصص السطحية والمشاكل التي امتلأت بها تعليقات تويتر وسناب شات تعرف يقينا أن لهذا الرجل نظرة انسانية سوية حول حياة الإنسان الطبيعية، المروءة والصبر والشجاعة والزهد و العدل، لذلك وجدت أن اقتباساته مناصرة أصلا لما هو طبيعي وسوي في نفس الانسان.
ما أريد إيضاحه أكثر، أن بعض الكتاب بالسابق كان يطلق عليهم مسميات مثل شيوعي او ليبرالي أو أي لقب اخر طالما كلامه ليس بإسلامي تماما، ومع ذلك تجد الان أن الفلسفة والافكار الشاذة أصبحت بارزة، وصار الانسان يمشي وهو يجر حوله أفكارا غريبة ومتناقضة يتبناها ويناقشها مع نفسه باستمرار، لربما حمل هؤلاء الأشخاص من الإنسانية أكثر مما يقوله الرجل المتعلم الآن.
اختفى الانسان السوي البسيط، ومعاني الانسانية المجردة ، نبل الأخلاق. أعتقد أن ما نقرأه في مواقع الواصل من نقد و تجريح خلف أسماء غامضة قلل من هيبة الكلمة التي نكتبها،أصبحت التفاهة شائعة، والناس أصبحوا مسرعين في الحياة.
في قصص عبدالوهاب مطاوع، ستجد الزوجين المتحابين الذي صارعوا الحياة طويلا، ثم توفي أحدهم، والآخر يشكوا وحدته.
قد تجد الأم التي تشكي أطفالها، أو تحول زوجها، أو الشباب المكافحين الذين يشقون دروب الحياة بصعوبة، المرضى بأمراض مستعصية، والشباب الذين أهملوا من قبل والديهم، ستجد السيدة العانس التي تحاول البحث عمن تشاركه الحياة، والسيدة المطلقة التي تبحث عن الحياة، ليسوا كلهم نبلاء بل منهم الفقراء والأغنياء ، لكن الجميع مليئ بقصص الحياة الحقيقية.
بعض القصص جعلتني أبكي، وبعضها كان سخيفا في نظري، لكن ستتعجب أن مشاكل الناس ربما تكون متشابهة ومتقاربة حتى مع اختلاف الأزمان.
أتذكر مرة قصة رجل مكافح كان يسكن في عمارة سكنية كبيرة، يعمل الرجل والمرأة وفي نهاية الشهر يجمع الرجل مرتبه ومرتب زوجته ثم يقسم لكل منهم مصروفه الخاص ويضع مبلغا للإلتزامات العائلية ثم يتبقى منه مبلغ بسيط يؤثثون به منزلهم أو يجمعونه لشراء سيارة مستعملة. وهكذا يحكي الرجل أنه كان يستمتع هو وزوجته وأطفاله بشراء سلعة جديدة كل شهر تقريبا لضمها لمنزله. ثم يقول يوما ما من الأيام استأجر رجل ثري الفيلا التي بجانب عمارتنا، وأصبحنا نرى من نافذتنا العجب والعجاب مما يشتريه ذلك الرجل الثري، و من سيارات التوصيل التي توصل الاثاث، والحديقة التي اصبحت مليئة بالحفلات والمأكولات والمهرجانات وأصبحنا نرى السيارات الفارهة، ثم بدأ أطفالي ينظرون لهذه الرفاهية باستمتاع ويتساءلون متى سيحصلون على مثلها، وأصبح مرتب الشهر القليل الذي نشتري به حاجياتنا غير كاف في نظرنا، ولم تعد هناك متعة في اقتناء البسيط من المال الذي احصل عليه فهل يحق لجاري الثري أن يفعل ما يفعل!؟ وأتذكر أن عبدالوهاب أجابه بأنه لا يجب على جارهم أن يفعل هذا.
يقول كاتب الرسالة هذا وهو الذي ما عاش في زماننا هنا الان، ونحن نفتح بيوت بعض ونرى ما لذ وطاب من بيوت المشاهير وأثاثهم وتفاصيل حياتهم، فكيف تطيب حياتنا البسيطة!.
وها هنا قصة اخرى اقتبستها لبطلة مناضلة ، اسم الرسالة صوت الصمت.
وهذا الكتاب بالأعلى هو واحد من كتبه الجميلة التي أجاب فيها على رسائل قراءه، ليس الأفضل أو الأسوأ، لكنها خلاصة تجارب حياة الاخرين وقد استمتعت فعلا بقراءته.
عندما أقرأ لعبدالوهاب فإنني أشعر بتعطش لقصص هؤلاء الأبطال، أقرأ بنهم ثم أشعر بالاكتفاء وأتوقف أبدأ في القراءة بشكل متنوع، ثم أجوع لقراءة كتبه وهكذا أذهب وأعود إليه.
لا أعلم كم أقنعتك بقراءة قصصه أم لا، لكن حتما أن بريد الجمعة كان ملهما للناس في تلك الأيام، وهو ملهم لي الآن ، أتمنى أن تلهمك أيضا قراءة بعضا من قصصه.